لا تخفي عضو بلدية راشيا فريال صعب فرحتها جراء التجربة الناجحة التي خاضتها في العمل البلدي كعضو منذ حوالي ثماني سنوات، هي التي دُعمت من العائلة ومن الحزب الإشتراكي حتى استطاعت أن تحقّق الفوز وتخوض غمار العمل البلدي وتحقق الكثير لبلدتها راشيا. وبالنسبة لها فإن "الانتخابات البلدية هي بين العائلات ومن تجده مناسباً لتقوم بترشيحه، ولكن لا يجب أن ننسى أهمية دعم الأحزاب السياسية لأنها مفتاح أساسي للوصول".
تجربة فريال تقابلها تجارب أخرى لنساء حاولن الدخول في المعترك البلدي، ولكن برزت إستحالة للقيام بذلك نتيجة عدّة عوامل منعتهن من ذلك سواء أكان المحيط الجغرافي أو العائلي الذي تعيش فيه أو غيره... ديانا قيدوح من بلدة شبعا الجنوبية هي واحدة من اللواتي رغبن بالترشح للانتخابات البلدية، ولكن لم يحالفهن الحظّ لعدّة أسباب أبرزها التقاليد العائليّة وعدم وجود عضو بلديّة "إمرأة" ولا في أي مرّة في البلدية.
الترشح لخدمة المجتمع
ترفض فريال صعب بشكل قاطع فكرة التفرقة بين الرجل والمرأة في العمل البلدي، وتقول "يجب أن يترشح الشخص أياً يكن جنسه سواء ذكر أو أنثى إذا أراد العمل، وليس ليكون "كمالة عدد"، خصوصاً المرأة وذلك فقط لتحقيق "الكوتا النسائية"، فإذا أرادت المرأة فعلا خدمة مجتمعها فلا يجب أن تخاف وعليها الاقدام فورا على الترشح". وتشير إلى أنه "ورغم المجتمعات المحافظة، فمع التجربة الناجحة يختلف رأي الناس، ولكن إذا أرادت الترشح فقط لإكمال "الليستا"، عليها أن تنكفئ لأنها ستضيّع الفرصة على آخرين ربما يريدون خدمة منطقتهم".
في مقابل كلّ الدعم الذي حصلت عليه فريال صعب فإن ديانا قيدوح حاولت الترشح عدّة مرات ولم تحصل على الدعم. وتلفت إلى أنه "وفي بلدية شبعا لا يوجد نساء عضوات في البلدية"، وتضيف: "لم يشجع أحد نساء البلدة للدخول بغمار العمل البلدي، والعائلات هي التي تفرض ترشيح الرجال"، وتتابع: "سأترشّح في الانتخابات المقبلة لأني أرى وجود فجوة في كلّ ما قدّمه الرجال للقرية، فنحن منذ أكثر من أربع سنوات لا كهرباء في شبعا التي يمكن أن يكون فيها مشاريع زراعية وسياحية ودورة إقتصادية حقيقية". بنفس الوقت تتحدث فريال صعب عن تجربتها، وتشير الى أنها "عملت على مساعدة المرأة وقد نظمنا دورات في راشيا خصوصا لربّات المنزل حتى يتمكّن من أن يكنّ منتجات".
قراءة في الأرقام
"تحسنت أوضاع النساء في البلدة لأننا عملنا في البلدية على مساعدتهن في عدة مجالات". وهنا تشرح صعب أن "الدورات التي نظمت كانت في الاشغال اليدوية لتتمكن المرأة في راشيا من العمل من منزلها، كذلك نظمنا دورات في كيفية صناعة الألبان والأجبان والمربيّات، وهذا أيضاً أعطى النساء فرصة للعمل في هذا المجال أيضاً، من هنا قلت سابقاً إنه يجب أن يترشح الى البلدية من يريد العمل، والأهمّ أن يكون الشخص متواجداً في البلدة فنحن لدينا أكثر من تجربة لأشخاص فازوا بالانتخابات ولكن كانوا متواجدين في بيروت ولم ينجحوا بخدمة المنطقة بسبب بعد المسافة".
ترشّح مستقلّ
أما المرشحة المستقلة خديجة معوش فأشارت الى أنها "تقدّمت من قبل عائلتها ولكن بلائحة ضمّت الجماعة الاسلامية وكان هناك رئيس بلدية برجا، وكنت الوحيدة من العنصر النسائي"، وتشير إلى أن اللافت في التجربة أنه وأثناء ترشّحها كان ينافسها رجل فطلب منه الانسحاب لأجلها، وتضيف: "تعرضت للعنف السياسي بعدما دخلت المجلس البلدي ودائما كان الرد بالاهانات والشتائم، ولكني في المقابل استطعت أن أغيّر النظرة النمطيّة للمرأة، إذ لم أقبل بإنشاء لجنة لها واعتادوا أن دوري ودور المرأة فاعل على الأرض، وكانوا دائما يتّكلون علي، وأنا المرجع، ولكن للأسف وقت التعيينات لا يفكّرون بي".
رُغم التجارب الكثيرة يبقى الأساس أن عدد النساء اللواتي يترشحن الى الانتخابات البلدية في كلّ مرّة يزداد. وفي هذا الإطار وبحسب أرقام جمعية "لادي" فإنّه في الانتخابات البلدية في العام 2016 ترشّحت 1519 سيدة من أصل 21932 وفازت 663 مرشحة بالاضافة الى 57 مختارة. وفي هذا الإطار أشارت المديرة التنفيذية للجمعية ديانا البابا إلى أن "لبنان وفي حال شهد على إجراء الانتخابات البلدية فلأول مرّة سيكون للمرأة اللبنانية الحقّ في الترشّح بدائرتها الأصل في حال كانت متزوّجة".
لتأمين الدعم للمرأة
تلفت ديانا البابا إلى أنه "في العام 2017 تم تعديل القانون للترشّح، وهذا إجراء مهم للمرأة أين تريد الترشّح دون أن يكون لديها الحق في أن تنتخب نفسها، وما نتوقعه اليوم هو إرتفاع النسبة، حيث كان عدد النساء المرشحات يزداد عند كل استحقاق سابقًا". في نفس الوقت تشير رئيس جمعية مدنيات ندى عنيد إلى أن "أهم شيء أن تجد المرشحة شبكة دعم حولها وأن تتمكن من التواصل مع الناخبين والناخبات والعائلات والمفاتيح". لافتة إلى أن "تفضيل الذكر على الانثى في الترشح نراه جغرافيا، ويحصل في العديد من المناطق، خصوصاً في بيروت والجنوب والبقاع والأطراف، ففي كلّ مرة أرادت السيدات الترشح كانت العائلات ترفض لأن هناك رجلاً لديه الأولوية".
تخطي التحديات
"هناك مناطق ليس لدى النساء فيها الحظ أبداً للترشح". هذا ما أكدته ندى عنيد، لافتة الى أنه "في حاصبيا مثلاً أصدر رجال الدين فتوى حرّموا ذلك، كذلك نحن نعرف أن "حزب الله" يتكل على حركة أمل ولا يقوم بترشيح النساء، ولكن ليس لديه مانع أن يكون على لوائحه نساء. وهناك عائق ثانٍ، وهو أن الأحزاب هي من تختار اضافة الى العائلات التي تبحث عن الأشخاص المناسبين".
بدورها اعتبرت البابا أن "إحدى المعوقات التي تمنع ترشح المرأة هو العقلية الذكورية المسيطرة داخل المجتمعات اللبنانية وهي أقلّ بالقرى من المدن الكبرى، والحملات التي تحصل على المستوى العائلي يكون فيها المقعد للذكر وليس للأنثى"، واضافت: "حالياً لا يوجد أي ّتغيير بالقانون ولكن ندعم إقرار قانون انتخابي يعتمد على النسبية مع دوائر، كما أنه على الأحزاب السياسية أن تتعهّد خاصة بالبلديات الكبرى بدعم النساء، إذ لا يُمكن أن نتحدث عن دعمهنّ دون أن يحصلن عليه من أحزابهن وأن يكون هناك حماية للمرأة وألاّ تتعرّض لضغوط من عائلتها لتنسحب".
بدورها شرحت رئيسة جمعية "فيفتي فيفتي" جويل أبو فرحات أنّ الجمعية عملت على إعداد برامج على عدّة صعد، وأحدها يهتم بمواكبة وتدريب النساء للترشح للانتخابات البلدية، لافتة إلى أننا "نعمل أيضا على قانون الكوتا النسائيّة بالبلديّات، إضافة الى ذلك قمنا بتوقيع اتفاق "سلمة" وهو "سوى للمساواة" كناية عن اتفاقية يلتزم بها الموقعون على إيصال 30% من النساء الى البلديات، وسنعمل على ارساله ومحاولة اقراره من خلال مجلس النواب.
الواضح أن المرأة تنخرط أكثر فأكثر في العمل البلدي ويبدو ذلك واضحا من خلال إرتفاع نسبة الترشّح للنساء، ومن المؤكّد وجود معوقات تمنع ترشّحها تبعا للمناطق، ولكن يبدو أن المجتمع يسير شيئا فشيئا نحو الخروج من هذا الوضع مع وجود نساء أكثر راغبات بالعمل البلدي وليس لتحقيق "الكوتا" فقط...